قوله جلّ ذكره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِنْ نِسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الإسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.نهى اللَّهُ- سبحانه تعالى- عن ازدارءِ الناس، وعن الغَيْبَةِ، وعن الاستهانةِ بالحقوق، وعن تَرْكِ الاحترام.{وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنْفُسَكُمْ}: أي لا يَعِيبَنَّ بعضُكم بعضاً، كقوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29].ويقال: ما استصغر أحدٌ أحداً إلا سُلِّطَ عليه. ولا ينبغي أن يُعْتَبَر بظاهر أحوال الناس فإنَّ في الزوايا خبايا. والحقُّ يستر أولياءَه في حجابِ الضّعَة؛ وقد جاء في الخبر: «رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين لا يُؤْبَهُ له لو أقسم على الله لأَبَرَّه».قوله جلّ ذكره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}.النَّفْسُ لا تَصْدُقُ، والقلبُ لا يَكْذِبُ. والتمييز بين النفس والقلب مُشْكِلٌ ومَنْ بَقِيَتْ عليه من حظوظه بقيَّةٌ- وإنْ قَلَّتْ- فليس له أن يَدعَّى بيانَ القلب بل هو بنفسه ما دام عليه شيءٌ من نَفْسِه، ويجب أن يَتَّهِمَ نَفْسَهُ في كل ما يقع له من نقصان غيره.. هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو يخطب. كلُّ الناس أفقهُ من عمر.... أمرأةٌ أفقهُ من عمر.{وَلاَ تَجَسَّسُواْ} والعارف لا يتفرغ من شهود الحقِّ إلى شهود الخَلْق.. فكيف يتفرغ إلى تجَسُّسِ أحوالهم؟ وهو لا يتفرغ إلى نَفْسِه فكيف إلى غيره؟ {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُمْ بَعْضاً}: لا تحصل الغيبة للخَلق إلاَّ من الغيبةِ عن الحقِّ.{أَيَحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} جاء في التفسير أن المقصود بذلك الغيبة، وعلى ذلك يدل ظاهر الآية. وأَخَسُّ الكفّار وأَقَلُّهم قَدْراً مَنْ يأَكل الميتةَ.. وعزيزٌ رؤيةُ مَنْ لا يغتاب أحداً بين يديك.